Currently Empty: EGP0,00
المقالات
فاستقم كما أمرت

في محاضراتي كثيرا ما تأتيني أسئلة عن اشياء كثيرة
مثل مثلا (ليه بنصوم) او (ليه المطلقة او المتوفى عنها زوجها ليها عدة) او (لماذا للرجل تعدد زوجات وليس للمرأة مثله) وكثير من الاسئلة على هذه الشاكلة
ولمعرفتي ان هذه الاسئلة ملغومه فإجابتي تكون واحدة ومباشرة
(لأن الله أمرنا بذلك وعلينا الطاعة)
فمحاولة فهم ومعرفة حكمة مشروعية الأمر هو أمر زائد على الطاعة وليس سببا فيها
كثيرا ما يقع المسؤول في شباك تلك الاسئلة بأن يحاول توصيل فهمه لحكمة مشروعية الامر على انها كافية للانصياع له
فيقوم السائل بربط الحكمة والفهم بسببية الطاعة للأمر وعندما يعمل العقل والتفكير يجد عنده الحل كي لا يطيع الأمر
على سبيل المثال
من يجيب على سؤال الصيام (علشان نحس بالفقير)
ستكون الإجابة (طيب مانا فقير يبقى اصوم ليه الصيام ده للأغنياء علشان يحسوا باللي زي)
ولو كانت الاجابة (راحة لجهازك الهضمي وتخليصك من السموم)
ستكون الاجابة (انا ماشي على نظام غذائي وبعمل دي توكس باستمرار انا كده مش محتاج أصوم)
ولو كانت الاجابة على سؤال العدة (لبراءة الرحم من الحمل)
ستكون الاجابة (انا ممكن اعمل تحليل ويثبت انى مش حامل)
ويتبعه سؤال (طيب لو هو زي ما بتقول ليه المطلقة عدتها ثلاثة أشهر والمتوفى عنها زوجها اربعة أشهر وعشره أيام)
لو كانت الإجابة (حتى تأخد المرأة وقتها لتخرج مشاعرها تجاه المتوفى من قلبها وحياتها وتكون مستعدة لاستقبال حياة جديدة)
ستكون الاجابة (طيب ما انا علاقتي بيه سيئة من فتره وكنت لا أطيقه وما صدقت انه مات انا مش محتاجة الوقت ده كله)
ولو كانت الاجابة على سؤال تعدد الزوجات للرجل بخلاف المرآه (لحفظ الانساب وتجنب اختلاطها)
ستكون الاجابة (انا اصلا شايلة الرحم ومابحملش كده اتجوز اكتر من واحد عادى)
وهكذا
الخطأ فين
الخطأ بربط الطاعة بفهمنا القاصر للسبب او محاولة ايجاد سبب ليقنع العقل بالطاعة وهذا يتنافى تماما مع أصل العقيدة والايمان
فالإيمان يقتضي التسليم التام لله عز وجل
والتسليم يقتضي طاعة الامر مباشرة دون انتظار للعلم بمقتضى الأمر او حكمته او فهم المغزى منه
التسليم التام في أن تفعل ما تؤمر به وتنتهي عما نهيت عنه
اما إذا انتظرت ان تعلم سبب الأمر فانت تطيع العلم وليس الأمر
وإذا انتظرت ان تفهم وتدرك الحكمة والمغزى من الأمر بعقلك فانت تطيع عقلك وادراكك وفهمك ولا تطيع الأمر والآمر سبحانه وتعالى
فاحذر
يعنى ايه الكلام ده نوضحه أكثر إزاى
هقولك
صل على المصطفى صلى الله عليه وسلم
في ايه في القرآن الكريم في سورة البقرة يقول فيها الله عز وجل
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) البقرة
الآية دي فيها معاني كتير عظيمه لمن يتدبر ويفهم فقد وضح لنا الله سبحانه وتعالى ان هناك
صنفان من الناس
صنف يعلم ويوقن ويصدق ويؤمن بما أخبره به الله سبحانه وتعالى دون انتظار ليثبت له وعيه ذلك فيهديه الله سبحانه وتعالى للمعرفة والعلم والادراك فإذا أثبته العلم لاحقا اطمئن قلبه وازداد ايمانا ويقينا أولم يزيده ذلك شيئا كما قال سيدنا على رضى الله عنه وارضاه( لو كشف عنى الحجاب ما ازددت يقينا ) وذلك لان يقينه قوى لا يحتاج الى اثبات
وهناك صنف آخر لم يؤمن بعد فيسأل عن أشياء لا يدركها اذ ربما لأنه لم يأن أوان إدراكها او ربما آن الأوان ولكنه ليس من أهل إدراكها لأنه غير مؤهل ومهيئ لذلك فيسأل بشك وريبة لأنه غفل عن المعجزة الحقيقية لكلام الله عز وجل في كونه خطاب للناس كافة الى ان تقوم الساعة
خلينا نوضح أكثر وركز معايا وتعالى نشوف
كان المعنى المفهوم سابقا ان الله لا يستحى ان يضرب مثلا عن أضعف مخلوق كالبعوضة او ما هو اكبر واقوى وأكثرا تطورا والمعنى ده كان مناسب جدا لهذا العصر حتى ظهر الميكروسكوب وكشف عن مخلوقات أقل وأضعف وحيدة الخلية كالبكتريا وهنا تظهر اصوات لتكذب تفسير الآية وتتطاول على المفسرين العظام وعلى صحة وصدق الآية نفسها
نقول له لا يا سيدنا التفسير صحيح لأنه مناسب لعصره لان ده مستوى إدراك المتلقي ومدى علمه ومعرفته ويشاء العلى القدير ان بنفس الاداة وهو الميكروسكوب ان يكتشف كائن فوق البعوضة ليثبت صحة الآية بمنظور مختلف يتوافق مع الادراك الجديد
حتى الذين قالوا إن الله أجل وأعظم من ان يضرب مثل تلك الأمثال فقد ثبت لهم بالدليل القاطع مدى الابداع والتعقيد والقدرة في تكوين البعوضة وخلقها فما تحسبه هين هو عند الله عظيم فهو العظيم سبحانه وتعالى والعظيم لا يصنع الا عظيما ويدرك ما صنع ولو لم تكن انت تدرك ذلك بإدراكك المحدود فربما تدركه لاحقا عندما تتهيئي لذلك فلا تتعجل الأمر
نفهم ايه من الكلام ده
أولا: القرآن الكريم هو كلام الله وكلام الله معجز وكريم يعطى على قدر طاقة المتلقي من الفهم والادراك وسيظل يعطى هكذا دائما الى ان تقوم الساعة لأنه لم ينزل لقريش وانما نزل للناس كافة الى ان تقوم الساعة لذلك هو يعطى على قدر الادراك وكلما زاد الادراك زاد المعنى عمقا فقد كان المعنى صحيحا قديما بما يتناسب مع عصره وصحيح الان وصحيح لمن سيأتي بعدنا وفقا لفهم وإدراك المتلقي فلا يجرؤ أحد ان يوقف معنى كلمة من القرآن على فهمه انما ما يهديه الله له فهو المعنى المناسب لعصره
ثانيا: لابد ان تعلم ان ليس كل المعاني هي لعصرك فيمكن ان يكون هناك معنى باطن لن يتكشف الا إذا حضر وقته وحضر اهله لذلك كان المؤمنون في عصر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يؤمنون بالقرآن لأنهم يعلمون انه الحق من ربهم ولا يسألون عن الآيات الكونية التي لم تكن لعصرهم والتي تكشف كثيرا من معانيها في عصرنا الحالي
في محاضرة من محاضراتي تكلمت عن موقف مريت بيه انا شخصيا عن ايه من آيات الامثلة عايشتها عشرين سنه امر عليها كل فترة وانا احاول ان افهم المثل وامشى واعلم ان وقتها لم يحن بعد الى ان ألهمني الله عز وجل فهم ارتاح له قلبي وتحدثت عنه وقتها الآية دي هو اية النور (مثل نورة كمشكاة) ربما اتحدث عنها بالتفصيل في مقالة أخرى ان شاء الله رب العالمين
ثالثا: المشكلة ليست في الآيات ولكن المشكلة في مستوى وعيك وادراكك ومرتبتك في التلقي والفهم فعلى قدر مرتبتك وإدراكك ستفهم المعنى المناسب لك ولعصرك
فالأمر لا يقتصر على الوعي والادراك فقط ولكن ايضا حال قلب المتلقي
فالمتلقي المؤمن يعلم انه الحق من الحق سبحانه وتعالى فيصدق ويسلم دون ان ينتظر العلم والفهم والادراك واعمال العقل
فهو يتلقى مباشرة كلام خالق العلم والفهم والادراك والعقل وخالقه هو شخصيا من يعلم السر وأخفى من يعلم ما لا ولم وربما لن نعلم من علمه الذى يحيط بكل شيء أدركناه ام لم ندركه
فيدرك هنا ماهية التسليم التام لأمر الله فيطيع دون ان يعمل عقله او يسأل عن السبب او الحكمة والمغزى من الامر لأنه يعلم انه خارج نطاق وقدرة العقل على الادراك والفهم والاحاطة بكل شيء فيسلم ويطيع
فقط يطيع امره جل وعلا لأنه أدرك ايضا انه ربما لم يحن الوقت ولا العصر المراد له فهم حكمة الامر حتى يثبت ايمان المتلقي فقط يطيع ويفعل ما يؤمر وينتهي عما نهى عنه لأنه آمن
رابعا: بعد الايمان يأتي دور العقل ولكن بشكل مختلف يأتي في صورة التدبر ومحاولة فهم المعنى الباطن من كلام الله عز وجل وان يجتهد لينهل من معين القرآن الكريم الذي لا ينضب ابدا بنية الهداية والاستهداء حتى يهديه الله عز وجل ويرزقه الفهم والادراك فتعلو مرتبته ويزيد وعيه وإدراكه ليفهم ويتدبر ويعي ويتعايش مع كلام الله عز وجل فينير طريقه ويهدى قلبه وكلما زاد عمقا في المعاني زاد قربا من الله عز وجل فذاق جنة الدنيا
أما المتلقي الكافر الذي لم يدخل بعد لحيز ونطاق الايمان فهو لم يسلم بعد وإدراكه في نطاق مختلف فيسأل عن الحكمة والسبب من الامر ويضع فهمه شرطا لطاعة الامر وهنا هو وقع في فخ كبير لأنه يستخدم عقله المخلوق ذو القدرات المحدودة وعلمة القليل في فهم حكمة الحكيم الخبير العليم خالق عقله وعلمه وفهمه وهذا لا يعقل لمن يفهم ويعي فيضل ويضله عقله لان القرآن الكريم كما ان فيه الهداية لمن يشاء الهداية يمكن ايضا ان يضل من يشاء الضلال
(يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)
لأنه اعمل العقل ووضع شرطا لطاعة الامر فهمه لحكمته فحال قلبه مختلف فهو يبحث في كلام الله عما يدعم نيته في التملص من الأمر وعصيانه
فعندما يبحث بمستوى وعيه وادراكه ونيته يجد في القرآن من الآيات ما يستطيع لي عنقها لتخدم اعتراضه وتزيد من ضلاله
لان القرآن كريم يعطى من يشاء على قدر ما يشاء ووفقا لنيته فهو يهدى المؤمن ومن يريد الهداية ويضل الفاسق ومن يبحث عما يبرر له عصيانه للأمر
فاحذر نيتك مع القرآن فالفرق بين المؤمن والفاسق كما وضحت الآية
ان الاول أمن وصدق وأطاع ثم يعمل العقل بعدها وفى قلبه نيه الهداية في ان يتدبر ويفهم ليزيد ايمانه
واما الثاني فيسأل عن حكمة الامر ليفهم ويكون فهمة شرطا لطاعة الأمر لأنه لم يؤمن
علشان نفهم موضوع اعمال العقل قبل الايمان وبعده ركز معايا في اللي جاي
لما كنت في الصين عرفت ان في فيلسوف صيني اسمه ( لاوتسو) او (لاو تسى) وده عاش في الفترة 604 الى 531 قبل الميلاد
الفيلسوف ده أفكاره شكلت كتير من الثقافة الصينية وده كان فيلسوف قاعد في الجبل يتأمل ويفكر ويبحث ويتدبر في الكون
خلينا نشوف جزء من افكاره وما توصل اليه
(هناك شي بلا شكل موجود قبل السماء والأرض صامت وفارغ قائم بنفسه لا يحول يتخلل المكان ولا ينفذ إنه بمثابة الأم لهذا العالم لا أعرف له اسماً فأدعوه التاو لا أعرف له وصفاً فأقول العظيم عظمته امتداد في المكان الامتداد في المكان يعني امتدادا ً بلا نهاية الامتداد بلا نهاية يعني العودة إلى نقطة المبتدي لأن التاو عظيم السماء عظيمة لأن السماء عظيمة، الارض عظيمة لأن الأرض عظيمة، الإنسان أيضأً عظيم أربعة ينتسبون إلى العظمة الإنسان يقتدي بالأرض الأرض تقتدي بالسماء السماء تقتدي بالتاو التاو يقتدي بذاته)
انتهى الاقتباس
لو ركزت في الكلام اللي فات ده كويس ستكتشف ان لاوتسو يتحدث عن الله سبحانه وتعالى ولكن المعلومة غير مكتملة لأنه وصل لحدود ادراكه ووعيه ووصل لأقصى طاقة وقدرة لعقله
وصل للمنطقة التي تحتاج لإخبار ونقل رسالة عن الله عز وجل لتعلمنا من هو الله أسمائه وصفاته
في الهند يوجد ما يقرب من 180 ديانة ولكن ستجدهم جميعا متفقين ان خلف كل ما يعبدوه هناك قوة خفية تحرك كل شيء
حتى كفار قريش كانوا يقولوا عن اصنامهم ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى
لو ركزت في الأمثلة اللي فاتت دي ستكتشف ان العقل قد يصل بك الى ذروة ادراكه كما حدث مع لاوتسو ولكن لن تصل الى الادراك التام لأسماء الإله وكامل صفاته او قد يضلك عقلك في البحث عن الاله وكيفية عبادته فتجعل بينك وبينه وسيط
وهنا جاء دور الرسل والرسالات السماوية فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا ان اصطفى من خلقه رسلا اجتباهم وعلمهم وادبهم ودربهم وانزل عليهم رسالات من عنده حتى نعرف الله حق المعرفة ولان الإخبار يحتاج الى تصديق وايمان ويقين صاحب الأنبياء تأييد من الله عز وجل بمعجزات حتى يطمئن المتلقي ان الرسالة من عند الله عز وجل فيؤمن
وعندما يؤمن يخبره الله عز وجل على لسان رسله عن ذاته جل جلالـه سبحانه لنعرفه ونكمل ما لا يستطيع العقل ادراكه
ثم يأتي بعد ذلك الامر والتكليف بإفعل ولا تفعل والذي لا ينفع الله ولا يضره ولكن النفع يعود عليك بطاعة الامر والضرر من عصيانه
فإعمال العقل في فهم الامر ليكون شرطا لطاعته يجعلك تعود للخلف خطوات وتترك نفسك فريسه لعقلك ونواياك في التملص من التكليف فقد يهديك وقد يضلك وفقا لنيتك وتوجهك لأنك لا تسترشد بما ارسله الله لك ليهديك ولم تؤمن به حق الايمان
اما وظيفة العقل بعد الايمان فهو للفهم والتدبر لزيادة الايمان لا شرطا له
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى ان جعل المعجزة الاخيرة المصاحبة للرسول الخاتم معجزة عقليه صالحة لكل العصور فالقرآن كريم وسيظل يعطى ويهدى الى ان تقوم الساعة فاذا أردت معجزة لتؤمن وتهتدى فعليك بتدبر القرآن بنية الهداية والاستهداء
فاذا لم تفهم ولم يهديك قلبك فاسأل اهل الذكر كما أمرت وان لم تجد الاجابة عن حكمة الامر فاعلم انه ربما لم يحضر اهلها أو وقت فهمها
فاذا آمنت فطع الامر وافعل ما أمرت به وانتهى عما نهيت عنه حتى ولو لم تفهم الحكمة من الامر او المنع لأن من أمرك به او منعك عنه هو الله
فقط استقم كما أمرت
رزقنا الله واياكم الإخلاص والاستقامة
وهداكم وإيانا لفهم كلامه لنا سبحانه وتعالى على مراده لا على هوى أنفسنا
اللهم آمين
سامح حبيب